قانون المقاتلين غير الشرعيين في إسرائيل: استخدام لاعتقال المدنيين الفلسطينيين
قانون إسرائيلي تمت المصادقة عليه عام 2002. يُشرِّع اعتقال الأفراد الذين يُشتبه بكونهم منخرطين في “أعمال عدائية” ضد إسرائيل، أو كونهم أعضاء في قوة ترتكب “أعمالا عدائية” ضد إسرائيل، واحتجازهم إلى أجل غير مسمى دون لائحة اتهام، ومحاكمتهم دون إبراز الأدلة، بحجة وجود ملف سري لدى الأجهزة الأمنية يدين المحتجز.
ومنذ عام 2005، يطبق الاحتلال الإسرائيلي القانون على معتقلين فلسطينيين من قطاع غزة، ويتم تجريدهم بمقتضى القانون من حقوق المراجعة القضائية والإجراءات القانونية والمثول أمام محاكمة عادلة.
وفي أعقاب العدوان الإسرائيلي على غزة، الذي بدأ في أكتوبر/تشرين الأول 2023، أصدرت سلطات الاحتلال قرارا ينص على اعتبار جميع المعتقلين من قطاع غزة “مقاتلين غير شرعيين”، وعلى احتجازهم في قاعدة “سدي تيمان”.
ووفقا لذلك، جرى اعتقال آلاف الغزيين، معظمهم مدنيون، بينهم مسنون ونساء وقُصّر، حبسوا في منشآت عسكرية إسرائيلية، يواجهون فيها شتى صنوف التعذيب والتنكيل والإهانة.
دوافع سن القانون ومقتضياته
أصدرت المحكمة الإسرائيلية العليا عام 2000 قرارا يمنع الدولة من الاستمرار في وضع أفراد قيد الاعتقال الإداري، في حال عدم تشكيلهم ـ بصفتهم الشخصية ـ تهديدا على أمن إسرائيل، وبموجب القرار، أفرج الاحتلال عن 13 لبنانيا كانوا محتجزين لديه، وأبقى على مواطنَين لبنانيَين، هما مصطفى الديراني وعبد الكريم عبيد.
وبغرض الإبقاء على الأسيرين ورقة مساومة، للحصول على معلومات عن جنود إسرائيليين فقدوا أثناء معارك الثمانينيات في لبنان، أصدرت السلطات الإسرائيلية قانونا جديدا، أُطلق عليه “قانون المقاتلين غير الشرعيين”، وصادق عليه الكنيست في مارس/آذار 2002.
وعرّف القانون “المقاتل غير الشرعي” بأنه الشخص “الذي شارك في أعمال عدائية ضد إسرائيل بشكل مباشر أو غير مباشر، أو هو عضو في قوة تقوم بتنفيذ أعمال عدائية ضد إسرائيل”. ونص على اعتقال الأفراد الذين يقومون بأعمال عدائية ضد إسرائيل.
وبمقتضى القانون يتوجب على السلطات الإسرائيلية عرض المعتقل أمام محكمة مدنية محلية في غضون 14 يوما من تاريخ الاعتقال، ويوجب قبول المحكمة ادّعاء السلطات بأن مجموعة ما تُشكل قوة “معادية” وأن انتماء المحتجز لها يجعل الإفراج عنه مضرا بأمن الدولة.
وفي حال إقرار أمر الاعتقال، يُعرض المعتقل على المراجعة القضائية كل 6 أشهر، ويحق له الطعن في قرار المحكمة المحلية، وطلب الاستئناف أمام المحكمة العليا، التي تخضع فيها هذه القضايا للنظر من قبل قاض واحد، وفق الظروف ذاتها التي تعتمدها المحكمة المحلية.
وفي يوليو/تموز 2008، تم تعديل القانون، بحيث يُتاح لرئيس الأركان، أو أي ضابط يحمل رتبة لواء فما فوق، بإصدار أمر باعتقال شخص ما لمدة غير محددة، إذا توفر “سبب معقول” لاعتباره “مقاتلا غير شرعي”، قد يُلحق إخلاء سبيله أذى بأمن الدولة.
ويُمَكِّن القانون رئيس الأركان من إلغاء قرار الحبس، إذا اعتقد أن أسباب الاعتقال لم تعد قائمة، أو توفرت مستجدات تبرر الإفراج عن المعتقل.
وفي العام نفسه، أصدرت المحكمة العليا قرارا يفيد بأن الاعتقال الذي يتم بموجب قانون “المقاتل غير الشرعي”، يعتبر شكلا من أشكال الاعتقال الإداري، ويخضع للقيود ذاتها المفروضة على الاعتقال الإداري.
ومنذ صدور القانون عام 2002، اعتُقل 15 مواطنا لبنانيا، من بينهم 11 كان اعتقالهم إبان الحرب الإسرائيلية على لبنان عام 2006. وقد تم الإفراج عن جميع المعتقلين اللبنانيين، حيث أُطلق سراح آخرهم عام 2008.
احتجاز المدنيين
منذ “فك الارتباط” مع قطاع غزة عام 2005، استخدمت السلطات الإسرائيلية قانون “المقاتل غير الشرعي” لاحتجاز فلسطينيين من غزة، تَدّعي قوات الاحتلال أنهم يمثلون تهديدا للأمن القومي الإسرائيلي، وأثناء الحرب الإسرائيلية على غزة نهاية عام 2008 ومطلع العام التالي، كانت الاعتقالات الإسرائيلية جميعها تجري وفقا لهذا القانون.
ومُنح الجيش الإسرائيلي بموجب القانون صلاحيات واسعة تُمكنه من احتجاز أي شخص من القطاع لمجرد الاشتباه به، دون الحاجة إلى تقديم أدلة تثبت صحة تلك المزاعم.
ووفّر القانون للجيش الإسرائيلي غطاء قانونيا لسجن المدنيين، وحرمانهم من ضمانات القوانين الدولية الأساسية، المتعلقة بوجوب إظهار الأدلة وضمان محاكمة عادلة، ويضع القانون على المعتقل عبء إثبات عدم تشكيله تهديدا، بدلا من تحمل السلطات الإسرائيلية مسؤولية إثبات التهمة عن طريق إظهار الأدلة.
تستند المحاكم الإسرائيلية إلى تقارير استخباراتية إسرائيلية تقول إنها “سرية”، وبموجب ذلك، لا يُطالب القضاة بعرض الأدلة في المداولات، بذريعة سرية الأدلة التي لا يمكن الكشف عنها لاعتبارات “أمنية”، ولا يستطيع محامي المعتقل ولا المعتقل نفسه الاطلاع عليها، وتَمنع سرية الأدلة إمكانية الدفاع عن المعتقل والطعن في الادعاءات.
تعديل القانون عقب “طوفان الأقصى”
على إثر معركة طوفان الأقصى التي شنتها المقاومة الفلسطينية على مستوطنات غلاف غزة في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، وما أعقبها من عدوان إسرائيلي على غزة، أصدر وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت يوم 10 من الشهر نفسه، قرارا يقضي باعتبار جميع المعتقلين من قطاع غزة “مقاتلين غير شرعيين”، واحتجازهم في معسكر “سدي تيمان”.
وفي الوقت نفسه تم إجراء تعديل مؤقت على قانون “المقاتل غير الشرعي”، حُددت مدته بـ10 أسابيع، مما أتاح إمكانية تمديد احتجاز الأفراد دون إصدار أمر بالاعتقال إلى 21 يوما بدلا من 7 أيام، وزيدت المدة القصوى للمراجعة القانونية من 14 يوما لتصبح 30 يوما، وسمح بمنع التواصل مع محامي المحتجز مدة 45 يوما، بدلا من 7 أيام.
وفي ديسمبر/كانون الأول من العام نفسه، أقرت السلطات الإسرائيلية تعديلا مؤقتا جديدا على القانون، يسمح لضباط الجيش برتبة مقدم أو رئيس فريق المحققين في جهاز الأمن العام بممارسة سلطة الاعتقال التي كانت تتطلب في السابق ضباطا أعلى رتبة.
كما يقضي القانون بتمديد المدة التي يُسمح فيها للجيش الإسرائيلي باحتجاز الفلسطينيين دون صدور قرار رسمي بالاعتقال إلى 45 يوما.
ورفع القرار كذلك الحد الأقصى للاحتجاز قبل المثول أمام المحكمة للمراجعة القضائية إلى 75 يوما، ومدد الفترة التي يُحرم فيها المحتجز من التواصل مع محاميه إلى 6 أشهر، والتي تم تقليصها لاحقا إلى 3 أشهر.
وعملت سلطات الاحتلال في أبريل/نيسان 2024، على إعادة تمديد التعديل لمدة 4 أشهر أخرى، وفي 28 يوليو/تموز من العام نفسه، صادق الكنيست على تمديد التعديل حتى نهاية نوفمبر/تشرين الثاني.
انتهاك حقوق الإنسان
استنادا لأحكام القانون، عمد الجيش الإسرائيلي في بداية الأمر إلى احتجاز أفراد زعم أنهم كانوا ضمن مقاتلي المقاومة في هجوم 7 من أكتوبر/تشرين الأول على إسرائيل. ولاحقا أخذ الجيش يوسّع دائرة استخدام القانون ويحتجز المدنيين من فلسطينيي غزة بشكل جماعي.
اعتقلت السلطات الإسرائيلية، بحسب بيانات منظمة العفو الدولية (أمنستي)، ما لا يقل عن 105 فل