
نزع الإنسانية وصناعة التوحش: تأثيرها على مستقبل الإنسانية
منذ مطلع الألفية الحالية وحتى الآن، تشهد العالم تصاعدًا ملحوظًا في عدد الحروب والنزاعات والصراعات، مما يعكس تحولات خطيرة في الديناميات العالمية. يصعب تحديد عدد هذه النزاعات بدقة نظرًا لتنوعها وتعقيدها، ولكن الباحثون والخبراء يشيرون إلى زيادة ملحوظة في عددها خلال الربع قرن الأخير، خاصة بعد انتهاء الحرب الباردة.
تتنوع هذه النزاعات بين حروب أهلية وصراعات إقليمية ونزاعات داخلية، وتتفاوت في حدتها وعدد الضحايا. تتركز معظم هذه النزاعات في مناطق الشرق الأوسط وأفريقيا وآسيا، مع امتدادها أيضًا إلى مناطق أخرى من العالم.
ومن بين عوامل هذه النزاعات والصراعات، يبرز بشكل بارز نزع الصفة الإنسانية عن الأعداء والخصوم، الذي يمثل أخطر العوامل الدافعة والمؤثرة في استمرار هذه النزاعات. إذ يقوم الأطراف المتحاربة بتجريد الآخرين من إنسانيتهم وكرامتهم، مما يؤدي إلى تصويرهم كوحوش تستحق القمع والعنف.
في هذا السياق، يقدم الأكاديمي والصحفي بسام بونني تحليلًا شاملًا لاستخدام حروب السرديات والكلمات في تأطير الصراعات وتبرير العنف. ويشير بونني إلى أن استخدام مفردات مثل “حيوانات بشرية” و”إرهابيون” و”نازيون جدد” يعكس نزع الإنسانية وتجريدها من الضحايا.
ومن خلال دراسته “عبارات الطوفان: حرب الكلمات والسرديات”، يسلط بونني الضوء على استخدام الإسرائيليين وحلفاؤهم الغربيين للمفردات والمفاهيم التي تنبذ الفلسطينيين وتبرر تصرفاتهم العدوانية.
تتنوع أشكال نزع الإنسانية في العالم العربي، وتعكس التحديات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية التي تواجه المنطقة. وتتجلى هذه الظاهرة في التمييز ضد الأقليات، والعنف ضد المرأة، والانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان.
على الرغم من تعقيد ظاهرة نزع الإنسانية، يجب علينا التفكير في كيفية مواجهتها وعدم الانجرار وراء الخطابات الهادفة لتجريد الآخرين من إنسانيتهم. إن العمل على تعزيز الوعي والتسامح والتعاطف يمكن أن يكون بداية للحد من هذه الظاهرة الخطيرة.
في النهاية، يجب أن نذكر أن نزع الإنسانية لا يخدم سوى أجندات القمع والاستبداد، ويجب علينا جميعًا أن نعمل معًا على استعادة الإنسانية والكرامة للجميع، بغض النظر عن اختلافاتنا وتنوعنا.