
تأثير تغير المناخ على غطاء الجليد في غرينلاند: دراسة شاملة
كشفت دراسات جديدة عن تأثير مقلق لتغير المناخ على غطاء الجليد في غرينلاند، حيث تظهر البيانات أن معدل ذوبان الجليد يتسارع بشكل لافت ويتجاوز التوقعات السابقة. وتشير الأبحاث إلى أن حوالي 20% من الغطاء الجليدي في حواف الجزيرة قد اختفى على مدى العقود الأربعة الماضية، مما يشكل تهديدا جديا للتيارات المحيطية التي تسهم في تنظيم درجات الحرارة العالمية.
دراسة نُشرت في مجلة “طبيعة” (Nature) كشفت أن أكثر من ألف غيغا طن من الجليد، أي ما يعادل 20% من الجليد حول حواف غرينلاند، قد فُقد على مدى العقود الأربعة الماضية. يُشار إلى أن الغطاء الجليدي في غرينلاند يتقلص منذ تسعينيات القرن الماضي بفعل الاحتباس الحراري، وهو مصير مشترك مع الغطاء الجليدي في المحيط المتجمد الشمالي والأنهار الجليدية في مختلف أنحاء العالم.
وفي الوقت الحالي، يشهد الجليد في غرينلاند تكسرا وذوبانا من أطراف الأنهار الجليدية المحيطة بالجزيرة. وفي هذا السياق، يقول تشاد غرين، عالم الأنهار الجليدية في وكالة ناسا، والمؤلف الرئيسي للدراسة: “جميع الأنهار الجليدية تتراجع، وهذا التراجع يحدث في كل مكان وفي آن واحد”.
ومن الملاحظ أن أطراف الأنهار الجليدية تقع تحت مستوى سطح البحر في مضايق عميقة، مما يعني أن ذوبانها لا يؤدي مباشرة إلى ارتفاع ملموس في مستوى سطح البحر. لكن الجليد المنصهر يسهم في زيادة تدفق المياه العذبة، مما يؤثر على نماذج المناخ العالمي وعلى نظام التيارات المحيطية التي تلعب دورا حيويا في تنظيم درجات الحرارة على جانبي المحيط الأطلسي.
جمع البيانات والاستنتاجات
في إطار البحث، قام فريق الدكتور غرين بجمع أكثر من 200 ألف ملاحظة لنقاط نهاية الأنهار الجليدية في غرينلاند، وذلك باستخدام صور الأقمار الصناعية التي التقطت منذ عام 1985 حتى عام 2022. واستخدم الباحثون هذه الملاحظات لإنشاء رؤية شاملة للحواف المتقلصة للغطاء الجليدي خلال الأربعين سنة الماضية.
ورغم أن التقديرات السابقة تعتمد على ثلاثة أنواع من القياسات، إلا أنه من خلال دمج هذه التقديرات، توصل العلماء إلى إجماع على أن غرينلاند فقدت حوالي 5 تريليونات طن من الجليد منذ عام 1992. ورغم أن هذه الطرق التقليدية قادرة على رصد ارتفاع مستوى سطح البحر بحوالي 13 مليمترا، إلا أنها لا تغطي كل ما يحدث على أطراف الأنهار الجليدية، حيث تعمل عملية “تراجع الطرف الجليدي” على فقدان كميات إضافية من الجليد.
تأثير الذوبان على النظام البيئي
ومن بين أكثر من 200 نهر جليدي شملتها الدراسة، لم يشهد سوى نهر جليدي واحد توسعا منذ عام 1985، مع تسجيل مكاسب ضئيلة مقارنة بالخسائر الكبيرة في الأماكن الأخرى. وبالإضافة إلى ذلك، يؤثر تآكل أطراف الأنهار الجليدية بشكل غير مباشر على مستويات سطح البحر، حيث يمكن للمياه العذبة المنصهرة من الجليد المذاب الانضمام إلى المحيط والتأثير على نظام تيارات المحيط.
بشكل عام، كان ذوبان الأنهار الجليدية في غرينلاند موضوع تجاهل في الأبحاث السابقة، مما يبرز أهمية هذه الدراسة في إلقاء الضوء على هذه العملية وتأثيراتها على البيئة والنظام البيئي العالمي. وبهذا الصدد، يقول فينسنت فيرجانز، عالم الجليد في جامعة بوسان في كوريا الجنوبية: “تساهم هذه الدراسة في فهم أفضل للنظام المناخي وتوزيع الاحتباس الحراري بين الغلاف الجوي والمحيط والأنهار الجليدية”.
هذه الدراسة تظهر واقعية الأزمة البيئية التي نواجهها، وتحثنا على اتخاذ إجراءات عاجلة للحفاظ على كوكبنا والحد من آثار تغير المناخ على البيئة والحياة البرية.